کد مطلب:167934 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:210

المبادرة التی کان ینبغی ان تتحقق
فی حسابات التحرّك نحو الاهداف المنشودة هناك مبادرات ضروریة ینبغی القیام بها والسبق إلیها لضمان نجاح الحركة السیاسیة الاجتماعیة التغییریة فی الوصول الی أهدافها، بل ولضمان صدق المنتمین إلی هذه الحركة فیما بایعوا قائدهم وعاهدوه علیه، بل ولاختبار قدرتهم بالفعل علی تنفیذ الاوامر الملقاة من قبل القیادة إلیهم، وصبرهم المیدانی علی تحمّل تبعات تلك الاوامر المفترضة الاطاعة.

وإدراك ضرورة القیام بمثل هذه المبادرات لیس من مختصات العقول المتفوّقة فی الوعی والذكاء، بل إنّ إدراك هذه الضرورة فی متناول العقل العادی، هذا عمرو بن لوذان یخاطب الامام الحسین علیه السلام قائلاً: (وإنّ هؤلاء الذین بعثوا إلیك لوكانوا كفوك مؤنة القتال، ووطأوا لك الاشیاء، فقدمت علیهم، كان ذلك راءیاً،


فاءمّا علی هذه الحال التی تذكر فإنّی لاأری لك أن تفعل!). [1] .

وهذا عمر بن عبدالرحمن المخزومی یقول للامام علیه السلام أیضاً: (إنّك تأتی بلداً فیه عمّاله وأمراوه، ومعهم بیوت الاموال، وإنّما الناس عبید لهذا الدرهم والدینار، ولاآمن علیك أن یقاتلك من وعدك نصره! ومن أنت أحبّ إلیه ممّن یقاتلك معه!). [2] .

ویقول له ابن عبّاس (رض): (فإن كان أهل العراق یریدونك كما زعموا فاكتب إلیهم فلینفوا عدوّهم، ثمّ اقدم علیهم). [3] .

والامام علیه السلام لایُخطّیء هذا الادراك، بل یقرّرعلیه السلام أنّ هذا الادراك من النصح والعقل والرأی! فهو یقول لابن عبّاس: (یا ابن عمّ، إنی واللّه لاعلم أنك ناصح مشفق!)، [4] ویقول للمخزومی: (فقد واللّه علمتُ أنّك مشیت بنصح وتكلّمت بعقل!)، [5] ویقول لعمرو بن لوذان: (یا عبداللّه، لیس یخفی علیَّ الرأی!). [6] .

إذن فقد كان ینبغی للقوّة المعارضة للحكم الاموی فی الكوفة أنْ تُعدَّ العدّة وتستبق الایام للقیام، وتبادر إلی السیطرة علی الاوضاع فی الكوفة قبل مجیء الامام علیه السلام إلیها، (وذلك مثلاً باعتقال الوالی الامویّ وجمیع معاونیه وأركان إدارته، ومن عُرف من عیونه وجواسیسه، ومنع الخروج من الكوفة إلاّ بإذن خاص، وذلك


لحجب أخبار مایجری فیها عن مسامع السلطة الامویة أطول مدّة ممكنة من أجل تأخیر تحرّكها لمواجهة الانتفاضة فی الكوفة قبل وصول الامام علیه السلام، حتی یصل الامام علیه السلام فیمسك بزمام الامور ویقود الثورة إلی حیث كامل الاهداف.

ولیس فی رسائل الامام علیه السلام إلی أهل الكوفة ولافی وصایاه إلی مسلم بن عقیل علیه السلام مایمنع أهل الكوفة من القیام بهذه المبادرة التی أقرّ الامام علیه السلام أنها من العقل والرأی! بل لقد دعاهم علیه السلام إلی القیام مع مسلم علیه السلام، حیث قال علیه السلام فی رسالته الاولی إلیهم علی روایة ابن أعثم: (فقوموا مع ابن عمّی وبایعوه وانصروه ولاتخذلوه!).

وفی رسالته الثانیة التی بعثها إلیهم بید قیس بن مسهّر الصیداوی (رض) والتی لم تصل إلیهم لانّ ابن زیاد كان قد قبض علی الرسول دعاهم الامام علیه السلام إلی السرعة والعزم علی الامر والجدّ فیه، حیث قال علیه السلام فیها: (فإذا قدم علیكم رسولی فاكمشوا أمركم وجدّوا!)، إذ الكمش فی الامر هو العزم علیه والسرعة فیه!). [7] .

لكنّ هذه المبادرة لم تصدر عن الشیعة فی الكوفة، مع أنّ فیهم من ذوی الخبرات العریقة فی المجالات الاجتماعیة والسیاسیة والعسكریة عدداً یُعتدُّ به، ومن البعید جداً أنّ التفكیر بمثل هذه المبادرة لم یكن قد طراء علی أذهانهم أكثر من مرّة! فلماذا لم یبادروا!؟

لعلّ أهمّ الاسباب التی أدّت إلی عدم مبادرة الشیعة فی الكوفة إلی السیطرة علی الاوضاع فیها قبل مجیء الامام علیه السلام إلیها هی:


1) لم یكن للشیعة فی الكوفة وهم من قبائل شتّی خصوصاً فی فترة ما بعد الامام الحسن المجتبی علیه السلام عمیدٌ من شیعة أهل الكوفة، یرجعون إلیه فی أمورهم وملمّاتهم، ویصدرون فیها عن رأیه وقراره وأمره.

نعم، هناك وجهاء وأشراف متعددّون من الشیعة فی الكوفة، لكلّ منهم تاثیره فی قبیلته، لكنهم لاتصدر مواقفهم إزاء الاحداث الكبری المستجدّة عن تنسیق بینهم وتنظیم یوحّد بین تلك المواقف، وینفی عنها التشتّت والتفاوت.

ولقد ترسّخت هذه الحالة فی شیعة الكوفة خاصة نتیجة السیاسات التی مارسها معاویة بتركیز خاص علی الكوفة خلال عشرین من السنوات العجاف الحالكة فی خلق الفرقة والتناحر بین القبائل، والارهاب والقمع، والمراقبة الشدیدة التی ترصد الانفاس، والاضطهاد المریر والقتل الذی تعرّض له كثیر من الشیعة ومن زعمائهم خاصة، الامر الذی زرع بین الناس علی مدی تلك السنین العشرین العجاف الحذر المفرط والخوف الشدید من سطوة السلطان، وضعف الثقة وقلّة الاطمئنان فیما بینهم، والفردیة فی اتخاذ الموقف والقرار.

ویكفی دلیلاً علی كلّ ما أ شرنا إلیه من التعددّیة والتشتّت نفس المنحی الذی تمّت فیه مكاتبة أهل الكوفة الامام الحسین علیه السلام فی مكّة، فلولاالتعددیة فی مراكز الوجاهة والزعامة لما تعدّدت الرسائل والرسل منهم إلی الامام علیه السلام.

فلو كان لهم زعیم واحد یصدرون عن رأیه وأمره لكفی الامام علیه السلام منهم رسالة واحدة تأ تی من زعیمهم، لاإثنا عشر ألف رسالة! ولما احتاج الامام علیه السلام إلی أن یسأل آخر الرسل: (خبّرانی من اجتمع علی هذا الكتاب الذی كُتب به إلیَّ معكما؟). [8] .


كما یكفی دلیلاً علی ضعف الثقة والاطمئنان، والفردیة فی اتخاذ الموقف والقرار، قول الشهید الفذّ عابس بن أبی شبیب الشاكری (رض) بین یدی مسلم بن عقیل علیه السلام: (أمّا بعدُ، فإنّی لاأُخبرك عن الناس، ولاأعلم ما فی أنفسهم، وما أغرّك منهم! واللّهِ أحدّثك عمّا أنا موطنُّ نفسی علیه، واللّه لاجیبنّكم إذا دعوتم ولاقاتلنّ معكم عدوّكم ولاضربن بسیفی دونكم حتّی ألقی اللّه، لاأرید بذلك إلاّ ماعند اللّه). [9] .

2) هناك ظاهرة عمّت القبائل العربیة التی استوطنت الكوفة، وهی ظاهرة إنقسام الولاء فی أفرادها، ففی كلّ قبیلة إذا وجدتَ من یعارض الحكم الامویّ أو یوالی أهل البیت (ع)، فإنّك تجد أیضاً قبالهم من یوالی الحكم الامویّ ویخدم فی أجهزته، ولعلّ الموالین للحكم الامویّ فی بعض هذه القبائل أكثر من المعارضین له عامة والموالین لاهل البیت (ع) خاصة.

وهذه المشكلة ربّما كانت هی المانع أمام زعماء من الشیعة كبار فی قبائلهم الكبیرة من أن یُثوّروا قبائلهم ضد الحكم الاموی علانیة، وینهضوا بهم للقیام بمثل تلك المبادرة المطلوبة، ذلك لانّ أفراداً كثیرین هناك فی نفس القبیلة ممّن یخدمون فی أجهزة الامویین ویوالونهم سیسارعون إلی إخبار السلطة الامویة بما عزم علیه زعیم قبیلتهم الشیعیّ، فیُقضی علی ذلك العمل قبل البدء فیه، كما یُقضی علی الزعیم الشیعیّ وعلی أنصاره أیضاً، ففی قبیلة مذحج الكبیرة فی الكوفة مثلاً، كما تجد زعیماً شیعیاً رائداً مثل هانیء بن عروة (رض) تجد إزاءه أیضاً زعیماً آخر أو أكثر مثل عمرو بن الحجاج الزبیدی، [10] یتفانی فی خدمة


الامویین إلی درجة أنْ یؤثر مصلحة الامویین حتی علی مصلحة مذحج نفسها، حینما قام بدوره المریب [11] فی ركوب موجة انتفاضة مذحج وقیامها لاطلاق سراح هانی (رض) فردّهم عن اقتحام القصر وصرفهم وفرّق جموعهم بمكیدة منه ومن شریح وابن زیاد.

وهذه الظاهرة تجدها فی بنی تمیم، وبنی أسد، وكندة، وهمدان، والازد، وغیرها من قبائل أهل الكوفة.

إذن فقد كان من العسیر عملیاً علی أیّ زعیم كوفی شیعیّ أن یقود جموع قبیلته فی عملٍ ما ضدّ الحكم الامویّ، وذلك لوجود زعماء آخرین من نفس القبیلة موالین للحكم الامویّ، باستطاعتهم التخریب من داخل القبیلة نفسها علی مساعی الزعیم الشیعی، أو من خارجها بالاستعانة بالسلطة الامویة نفسها.

3) یُضاف إلی السببین الاوّل والثانی وهما أهمّ الاسباب سبب ثالث وهو تفشّی مرض الشلل النفسی، وازدواج الشخصیة، والوهن المتمثل فی حبّ الدنیا والسلامة وكراهیة الموت، فی جُلّ أهل الكوفة آنذاك خاصة.

ومن أوضح الامثلة علی ذلك ما عبّر به محمد بن بشر الهمدانی الذی روی تفاصیل اجتماع الشیعة الاوّل مع مسلم بن عقیل علیه السلام فی دار المختار (ره)، وروی مقالة عابس الشاكری ومقالة حبیب بن مظاهر ومقالة سعید بن عبداللّه الحنفی (رض)، فی استعدادهم للتضحیة والموت فی نصرة الامام علیه السلام حینما


سأله الحجّاج بن علیّ قائلاً: فهل كان منك أنت قول؟

أجاب قائلاً: إنّی كُنت لاحبّ أن یُعزّ اللّه أصحابی بالظفر، وما كنت لاِحبَّ أنّ أنْ أُقتل، وكرهتُ أن أكذب! [12] .

ومن الامثلة الواضحة علی ذلك أیضاً: قول عبیداللّه بن الحرّ الجعفی مخاطباً الامام علیه السلام: (واللّه إنّی لاعلم أنّ من شایعك كان السعید فی الاخرة، ولكن ما عسی أن أُغنی عنك ولم أُخلّف لك بالكوفة ناصراً!؟ فأنشدك اللّه أن تحملنی علی هذه الخطّة، فإنّ نفسی لم تسمح بعدُ بالموت!). [13] .

وكان زعماء الشیعة الكوفیون قد أدركوا خطورة انتشار هذا المرض، وتفطّنوا لاثره السیء علی كلّ نهضة وقیام، فكانوا یحسبون لخذلان الناس فی أیّ مبادرة جهادیة الف حساب، نلاحظ ذلك مثلاً فی قول سلیمان بن صرد الخزاعی فی اجتماع الشیعة الاوّل: (فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إلیه، وإنْ خفتم الوهل والفشل فلاتغرّوا الرجل من نفسه!). [14] .

وبعدُ، فلعلّ هذه الاسباب المهمة الثلاثة التی ذكرناها تشكّل إجابة وافیة عن علّة عدم مبادرة زعماء الشیعة فی الكوفة إلی السیطرة علی الاوضاع فیها قبل مجیء الامام علیه السلام.). [15] .


[1] الارشاد: 205؛ والكامل في التاريخ، 2:549.

[2] تاريخ الطبري، 3:294.

[3] تاريخ الطبري، 3:295.

[4] نفس المصدر.

[5] تاريخ الطبري، 3:294.

[6] الكامل في التأريخ، 2:549.

[7] راجع: الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 350-351.

[8] اللهوف: 15.

[9] تاريخ الطبري، 3:279.

[10] ومثل كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي (المذحجي).

[11] مرَّ بنا فيما مضي من البحث أنّ جميع الدلائل والمؤشرات التأريخية ترفع الريب وتؤكد علي أنّ عمرو بن الحجّاج كان قد تعمّد الخيانة والغدر بهاني (رض) وبقبيلة مذحج نفسها، وأصرّ علي الانضواء تحت راية بني أميّة وشارك مشاركة فعّالة في جريمة قتل الامام الحسين عليه السلام وأنصاره وسبي عيالاته.

[12] راجع: تاريخ الطبري، 3:279.

[13] الاخبار الطوال: 251.

[14] راجع: تاريخ الطبري، 3:279.

[15] الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 352-355.